قبل أيام قُدر لي وأنا في زيارة لبعض الأقارب أن
يقوم صاحب البيت بفتح التلفاز على قناة السعودية الأولى في معرض استدلاله
لحديثه عن تغير إعلامنا فإذا بي أشاهد رجلاً ليس من سحنتنا وإنما من سحنة
دولةٍ عربية اشتهرت بأنها عاصمة قنوات الفن والرقص والردح.
لقد كان
هذا الرجل في بزته التي يرى أنها تناسب موضة العصر فالشعر كأنه رؤوس
مسامير ، وأما اللبس فهو غربي خالص لا تُوجد فيه أي بوصلة تشير لتراثنا
العربي والإسلامي ، وكان هذا الرجل يُقدمُ برنامجاً بعنوان "مجلة السينما"
حيث استعرض من خلاله عناوين مجموعة من الأفلام الغربية الشهيرة على حسب
قوله منها الفكاهي ومنها العاطفي ومنها غير ذلك ، والملفت في الأمر أنه
أخذ في استعراض أسماء أبرز أبطالها ومقدماً من خلال هذا الاستعراض نبذةً
عن سيرة هؤلاء وكأنهم من أعظم عظماء التاريخ.
لقد تذكرت أثناء تلك
الدقائق التي توقفت معها أمام هذا البرنامج متعمداً لأن الحكم على الشيء
فرعٌ عن تصوره-أقول- تذكرت ما جاء في المادة التاسعة والثلاثين من النظام
الأساسي للحكم " تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة
الطيبة وبأنظمة الدولة " ، وما جاء في المادة الأولى من السياسة الإعلامية
للمملكة العربية السعودية – والتي صدرت بقرار مجلس الوزراء برقم 169
وتاريخ 20/10/1402هـ - " يلتزم الإعلام السعودي في كل ما يصدر عنه
بالإسلام ، ويحافظ على عقيدة سلف هذه الأمة ويستبعد من وسائله جميعها كل
ما يناقض شريعة الله التي شرعها للناس ".
هذا التذكر أصابني
بالحسرة وبسؤال عريض غصت به حنجرتي : لماذا بدأنا نخلع قميصنا وكأننا
نادمين على لبس رداء الاتزان والأصالة والانتماء للدين في يومٍ من الأيام؟.
لماذا يريد البعض أن يبرأنا من تهمة الإرهاب كدولة وكمجتمع وكأمة بهذه الطريقة الذليلة والمخجلة في نفس الوقت؟.
لماذا يكون ذلك على حساب ديننا وثقافتنا وأخلاقنا وقيمنا ومعتقداتنا؟ نحن قادرون على حرب الغلو بالدين لأن الدين يرفض الغلو.
إنه
لا يمكن لنا أن نقبل وغيرنا لم يعد يقبل بكلام وزارة الثقافة والإعلام
بأنها تتقيد بتعاليم الإسلام في كل ما يصدر عنها لأن القول بذلك محض
استخفاف بالعقول وأخشى أن يكون استهزاءً بأحكام الله تبارك وتعالى لأن
الله عزوجل لم يشرع خروج النساء المتبرجات ، ولأن الله تبارك وتعالى لم
يأذن بالاختلاط بين الرجال والنساء بل قال:"وإذا سألتموهن متاعاُ
فاسألوهنَّ من وراء حجاب"،ولأن الله عزوجل لا يرضى بنشر الفاحشة في الذين
آمنوا ، ولا يرضى بالترويج لكتب الملاحدة والشهوانيين ومجرمي الفكر
والأخلاق كما هو حاصلٌ في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي نبرأ إلى الله
تبارك وتعالى منه ومما فيه وممن نظمه وأشرف عليه.
إنَّ ولاة الأمر
حين يأتمنون أحداً على مسؤولية معينة فإن الأصل أن يقوم بها على الوجه
الشرعي الذي تبرأ به الذمة وتنفذُ من خلاله السياسات المرسومة التي لا
تخالفُ كتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولذا فإن بعض ما
يُعرض في إعلامنا اليوم هو أولاً فيه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه
وسلم ، وهو ثانياً خرقٌ خطيرٌ للسياسة الإعلامية للمملكة العربية السعودية
يسوؤنا ولا نرضى به أبدأ ونطالب بمحاسبة المتسببين فيه لأنه يستجلبُ لنا
أولاً مقت الله وغضبه ، ولأنه ثانياً يتسبب بالإساءة لهذه البلاد والإحراج
الكبير لها أمام العالمين العربي والإسلامي ويضعنا في الصورة النفاقية
التي تختلفُ أقوالها مع أعمالها وحقيقة ممارستها وهو ما لا نرضى به أبداً
لأنه يعزُّ علينا هذا الإحراج والانتقاد الذي نواجهه كلما سافرنا هنا أو
هناك.
لقد نُوصحت الوزارة ووزيرها من قبل الكثير من الغيورين في
تلك المخالفات ، وكان الرد بأن الوزارة ملتزمة في جميع برامجها بتعاليم
الإسلام ، وهذا ولا شك كلام عارٍ عن الصحة فالوقائع تكذبُ الأقاويل ، ولقد
حاول الكثيرون مراراً وتكراراً من خلال الكتابة للصحف بيان وجهة نظرهم في
هذا الأمر إلا أن سياسة الشللية ، وداء تكميم الأفواه الذي أُصيبت به معظم
مؤسساتنا الإعلامية تجاه آراء الأكثرية الساحقة هي التي غيبت الأصوات عن
الوصول إلى ولاة الأمر والتي يرفضُ أصحابها أن تتحول المملكة العربية
السعودية بلد التوحيد ومنار الدعوة وحاضرة الحرمين الشريفين وخادمة
الإسلام إلى بلدٍ يسمحُ إعلامها بمرور روايات الشذوذ والجنس والإلحاد
والتمرد على الدين إلى عقول الناشئة فضلاً عن الترويج لثقافة الغرب
المنحرفة وتقديم المتبرجات والسافرات على أنهنَّ قدوات في صورةٍ من صور
النكوص الفكري التي تُمثل انقلاباً على توجهات الدولة وعلى الأساس الذي
قامت عليه.
وزارة الثقافة والإعلام منعت عرض مؤلفات لفضلاء وعلماء
أجلاء في معرض الكتاب الدولي بالرياض أخيراً وفي الوقت نفسه سمحت بعرض
روايات عن الجنس والشذوذ ، وسمحت بعرض كتب لشيوعيين وملاحدة ، وكل ذلك
باسم الثقافة التي يُنقلب من خلالها على الدين في صورة مزرية من صور تجاوز
منهج الدولة الرسمي الذي قامت على أساسه.
إن الوزارة تعلم جيداً
أنها لن تستطيع أن تزايد على حب هذا الوطن والتضحية من أجله فعلماء هذا
البلد ودعاته وخطباؤه الذين تمارس الكثير من وسائل الإعلام تكميم الأفواه
مع أكثرهم بل وسنَّ الأقلام الجائرة عليهم هم السبب بعد الله في حفظ أمن
البلد ، وهم الذين قلبوا المعادلة في وجه الفكر الإرهابي وقد كانوا مع
رجال الأمن في الطليعة وكم هزت خطبة خطيب وكلمة عالم وتوضيح داعية من قلوب
فاصطفت في خندقٍ واحد مع رجال الأمن حرباً على الغلو والغلاة في كل مكان.
في
نهاية هذا المقال أوجه النداء إلى ولاة أمرنا بأن يتداركوا إعلامنا لأنه
إذا استمر بهذه الحالة فسيكون مذكياً لخلافات ومشاكل لا يعلمُ بها إلا
الله وبدلاً من أن يكون سبباً في حفظ الأمن فسيكون سبباً في الانحلال
والانفلات ومزيدٍ من الأزمات والاحتقانات التي نحن في غنىً عنها فهذه
البلاد بلاد الإسلام ومن المستحيل أن يقبل أهلها حكاماً ومحكومين محاولات
البعض الحثيثة لعلمنة مناحي الحياة فيها.